يستنجد الأولياء بالدروس الخصوصية لاستدراك الدروس التي يستعصي على أبنائهم استيعابها في المؤسسات التربوية، خاصة مع توالي إضرابات أساتذة الثانوي، غير أنهم اصطدموا بالمنشور الوزاري الجاري التحضير له لمنع الأساتذة والمعلمين من إعطاء دروس خصوصية في ”المستودعات والمرائب” وتعقبهم ”مثل المجرمين”. يعيش التلاميذ المقبلون على اجتياز امتحان البكالوريا وعائلاتهم على الأعصاب، خوفا من تواصل الإضراب، مقابل تهديدات بابا أحمد بمحاربة ظاهرة الدروس الخصوصية، مع إمكانية اللجوء إلى مصالح الأمن لاقتحام المستودعات التي يمارس فيها هذا النشاط وتوقيف الأساتذة. و في عدد من ”المدارس الخاصة” التي تقدم دروس الدعم في العاصمة، أجمع الكل أن القرار ”دعوة صريحة من الوزارة لترك مقاعد الدراسة واللجوء إلى الشارع”. السيد ”أحمد.م”، ولي تلميذة مقبلة على امتحان شهادة البكالوريا، التقيناه بالقرب من إحدى المدارس أو بالأحرى ”مرآب” تقدم فيه الدروس الخاصة بحي عميروش بحسين داي، علّق ونحن نسأله عن القرار: ”صحيح أن العديد من الأساتذة انتهازيون ويتاجرون بمستقبل أبنائنا، فهم مضربون لكن يقدمون دروسا خاصة هنا في ظروف غير ملائمة تماما، لكن ليس لدينا البديل ومستقبل أبنائنا على المحك”. وشاطرته الرأي سيدة كانت في انتظار خروج ابنها من درس الفيزياء: ”الدروس الخصوصية حتى وإن كانت في المرآب، السبب في نجاح ابنتي وبتقدير في امتحان شهادة البكالوريا سنة 2004، وهي السنة التي شهدت إضرابا في الثانويات لأكثر من أربعة أشهر. على الوزارة أن تنهي خلافها مع الأساتذة وتعيد النظر في البرامج الدراسية قبل الحديث عن محاربة ظاهرة الدروس الخصوصية”. ولم يختلف رأي التلاميذ، فمحمد سليماني من القبة، المقبل على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا، التقيناه في مدرسة تقدم دروس دعم في القبة القديمة بمبنى قيد الإنشاء: ”لا أفهم كيف يفكر القائمون على قطاع التربية، لا ندرس في المدرسة ولا هنا فكيف سننجح؟”. وواصل المتحدث أنه يتلقى دروس الفيزياء على يد مفتش في المادة، مشهود له، حسبه، وهو سبب تغاضيه عن الظروف غير المناسبة التي يدرس فيها. ووافقته زميلته مونية قائلة ”نحن رهينة بين الأساتذة والوزارة، ثم إن كانت الوزارة تعيب على الأساتذة ”الاسترزاق” على حسابنا في أماكن غير ملائمة للدراسة كالمستودعات، فماذا عن المدارس التي يوجد بأقسامها أربعون تلميذا أو أكثر؟ مادامت المدرسة لا تضمن لي استيعاب الدروس فليس عندي مانع من تحصيلها حتى في الشارع”. ويستمر إقبال التلاميذ على التسجيل في هذه ”المستودعات”، والدليل أننا وقفنا في جولتنا على أن الطلب أكثر بكثير من العرض والكثير من التلاميذ ينتظرون الظفر بمكان لتلقي الدروس الخصوصية حتى ولو بمرآب، في انتظار ما ستسفر عنه مداهمات عناصر الشرطة المرتقبة.
مواجهة بين الأساتذة والأولياء :
و يعيش أولياء المئات من تلاميذ الثانويات خاصة المقبلين على امتحان شهادة البكالوريا حالة ”طوارئ”، بفعل استمرار إضراب الأساتذة، حيث دخلوا في رحلة بحث عن حل يقي أولادهم من شبح ”سنة بيضاء”، في ظل استمرار القبضة الحديدية بين المضربين والوزارة، وقد شرع البعض منهم في طرق أبواب المدارس الخاصة بحثا عن مقاعد لأبنائهم. تعوّد تلاميذ الثانويات بالعاصمة ومنذ أسبوعين على العودة إلى بيوتهم باكرا بسبب الإضراب الذي دعا إليه المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني ”كناباست”، فسواء بثانوية ”محمد منتوري” أو ”رشيد عمارة” بضواحي بن عكنون وثانوية ”توفيق بوعتورة” بالأبيار أو ثانوية الإدريسي بساحة أول ماي أو ثانوية سعيد حمدين ببئر مراد رايس، فإن الأجواء توحي بأن الجميع في عطلة، كون الدروس متوقفة والقاعات مهجورة. وفي هذا الصدد قالت لنا أمينة، تلميذة بثانوية محمد منتوري ”لم ندرس منذ أسبوع تقريبا.. نبقى لفترة مجتمعين أمام الثانوية نتبادل أطراف الحديث حول الإضراب وكيفية الشروع في أخذ الدروس الخصوصية قبل العودة من حيث أتينا”، في حين يرى كل من نسيم ومحمود وسمير الذين يزاولون تعليمهم بثانوية عمارة رشيد أن ”إضراب الكنابست” عودنا على المكوث بالشارع أو داخل المقاهي ومحلات بيع ”البيتزا”، فيما يرى آخرون بأن الدروس الخصوصية غير كافية لتجاوز مخلفات الإضراب، متمنين أن تتوصل الوزارة والنقابة إلى إيجاد حل في أقرب الآجال لوقف الإضراب الذي إذا استمر ستكون انعكاساته وخيمة على السنة الدراسية لهذا العام، فشبح السنة البيضاء لم يعد بعيدا. في حين انتقد تلاميذ ثانوية الإدريسي نقابة أساتذة التعليم الثانوي والتقني قائلين: ”نرفض أن نكون رهائن الإضرابات المتكررة للأساتذة ونحن منهمكون في التحضير لامتحان شهادة البكالوريا”. بينما وصل الأمر ببعض أولياء التلاميذ الذين التقينا بعضهم بالصدفة في ثانوية منتوري ببن عكنون وبوعتورة إلى اتخاذهم قرار تحويل أبنائهم إلى المدارس الخاصة والهروب من ”مؤسسات تربوية تسيرها نقابات مدمنة على الإضرابات”. وفي هذا السياق، أكد البعض منهم لجوءهم إلى هذه المدارس التي لا تعرف مصطلحا اسمه ”إضراب”، وأنهم شرعوا فعلا في تسجيل أبنائهم رغم ما سيكلفهم هذا التحويل من أعباء مالية إضافية، وأشار البعض الآخر إلى أنهم وجدوا صعوبة في ذلك كون أغلب المدارس الخاصة ليس بها مقاعد شاغرة. ”نرفض الإضراب من أجل مصلحة أستاذ واحد” قال رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ، أحمد خالد، بأن أولياء التلاميذ ضد الإضراب، وأضاف في تصريح لـه بأن نقابة الكنابست أخطأت في التقدير، لأن الإضراب لم يأت بنتيجة بل على العكس تماما، عقّد من الدخول المدرسي الذي لم يستكمل في كثير من المؤسسات التعليمية التي تنتظر التحاق الأساتذة الناجحين في مسابقات التوظيف، إلى جانب دمج التلاميذ المطرودين. وحمّل نفس المتحدث النقابة تداعيات الإضراب، متسائلا ”أيعقل أن يشن إضراب ويتلاعب بمستقبل التلاميذ بسبب أستاذ تم طرده من إحدى المؤسسات التربوية بولاية البويرة؟”. ولفت رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ، إلى أن هذا التنظيم النقابي عليه أن يحترم الدستور الذي ينص في مادته 52 على حق التلميذ في الدراسة. واقترح ممثل أولياء التلاميذ على وزارة التربية، في الأخير، إشراك جمعيات الأولياء في الحوار الذي يجمع الوصاية مع نقابات التربية حتى نكون شهودا على أي اتفاق يضمن حقوق المتمدرسين